التسويف: سببه الرئيسي وكيفية التغلب عليه

السبب الوحيد الذي يدفع معظم الناس إلى التسويف

التسويف هو الظاهرة النفسية التي يتجنب فيها الفرد أداء المهام في الوقت المناسب، ويؤجلها إلى وقت لاحق رغم علمه بالعواقب السلبية التي قد تترتب على هذا التأجيل. وعلى الرغم من أن التسويف يعد من السلوكيات البشرية الشائعة، فإن السبب الرئيس وراءه يعود إلى عامل نفسي عميق يرتبط بمفهوم الخوف. يمكن تلخيص السبب الرئيس للتسويف في “الخوف من الفشل” أو “الخوف من عدم الكمال”.

التسويف والخوف من الفشل

إن الخوف من الفشل يعد من أعمق وأكثر المشاعر تأثيراً على السلوك البشري. عندما يواجه الإنسان تحديات أو مهام يتطلب إنجازها مستوى عالياً من الأداء، يزداد هذا الخوف بشكل غير واعٍ. يظهر هذا الخوف عادة في صورة قلق من أن لا يكون العمل المنجز بالجودة المطلوبة أو أن يؤدي إلى نتائج غير مرضية. لهذا السبب، يفضل الأشخاص تأجيل أداء المهمة بدلاً من مواجهتها والخوف من فشل محتمل.

الإنسان غالباً ما يشعر بحالة من الراحة المؤقتة عندما يتجنب المهمة الصعبة، ولكنه يواجه لاحقاً شعوراً عميقاً بالذنب والضغط نتيجة للتسويف. وهذه هي الدائرة المغلقة التي تظل تتكرر: الخوف من الفشل يقود إلى التسويف، والتسويف يؤدي إلى المزيد من القلق حول الفشل.

التسويف كآلية دفاعية ضد الفشل

في علم النفس، يعتبر التسويف بمثابة آلية دفاعية ضد الضغط النفسي الناتج عن المهام التي تبدو غير قابلة للتحقيق أو التي تهدد بتعرض الفرد للفشل. فكلما شعر الشخص بأنه غير قادر على أداء المهمة بالشكل المثالي، كلما تزايدت احتمالية تأجيلها. هذه الآلية الدفاعية تعمل على منح الشخص فترة من الراحة النفسية المؤقتة، حتى وإن كانت الراحة هذه تأتي على حساب الأداء الفعلي للمهمة.

من الجدير بالذكر أن هذا النوع من التسويف لا يقتصر على الأشخاص الذين يعانون من نقص في القدرات أو الكفاءة. حتى الأشخاص الأكثر مهارة وكفاءة قد يعانون من هذه الظاهرة، حيث يظهر الخوف من الفشل في صورة القلق المفرط الذي يدفعهم إلى تأجيل المهام.

التسويف وتقدير الذات

تقدير الذات هو عامل رئيسي في تحديد ما إذا كان الشخص سيقوم بالتسويف أم لا. إذا كان الفرد يملك تقديراً منخفضاً لذاته، فإنه غالباً ما يعتقد أنه لا يملك القدرات اللازمة للقيام بمهمة معينة بشكل جيد. هذا الشعور بعدم الكفاءة الذاتية يجعل الشخص أكثر عرضة للتسويف، حيث يسعى للهروب من المواقف التي قد تُظهر نقاط ضعفه أو عدم قدرته على التميز.

على النقيض من ذلك، الأشخاص الذين يتمتعون بتقدير عالٍ لذاتهم يميلون إلى أن يكون لديهم دافع أكبر لمواجهة التحديات والمخاطر المرتبطة بإتمام المهام. وعلى الرغم من أنهم قد يواجهون الخوف من الفشل، إلا أنهم يتعاملون معه بمرونة أكبر ولا يتهربون منه عن طريق التسويف.

التسويف والتوقعات غير الواقعية

من الأسباب الأخرى التي قد تدفع إلى التسويف هو وجود توقعات غير واقعية حول ما ينبغي أن يكون عليه العمل النهائي. عندما يضع الشخص أمام نفسه معايير عالية جداً أو يصور في ذهنه أن الأداء يجب أن يكون مثالياً تماماً، فإنه غالباً ما يشعر بالعجز عن الوصول إلى تلك المعايير. وهذا يؤدي به إلى تأجيل المهمة من أجل تجنب الشعور بالخذلان.

هذه التوقعات المبالغ فيها غالباً ما تكون ناتجة عن تأثيرات اجتماعية وثقافية تدفع الفرد إلى السعي لتحقيق المثالية في جميع جوانب حياته. قد تكون هذه التوقعات قد تترسخت من خلال التربية، أو تأثيرات وسائل الإعلام، أو المقارنات مع الآخرين. وفي حالة عدم قدرة الشخص على تلبية هذه المعايير، يفضل إرجاء المهمة بدلاً من مواجهتها.

التسويف كاستجابة للإرهاق العقلي

يرتبط التسويف أيضاً بالإرهاق العقلي. عندما يكون الفرد مثقلاً بالعديد من المسؤوليات أو المهام التي يتعين عليه إنجازها، فإن عقله قد يصبح متعباً ومرهقاً. في هذه الحالة، يصبح اتخاذ قرار أداء أي مهمة بمثابة عبء إضافي، مما يؤدي إلى التأجيل والتهرب من القيام بها.

في حالات الإرهاق العقلي، لا يتعلق الأمر بعدم القدرة على أداء المهام أو عدم الرغبة فيها، بل ببساطة يصبح الشخص غير قادر على اتخاذ قرار حاسم في الوقت المناسب. يؤدي هذا إلى تراكم المهام والتسويف، ما يضاعف الإرهاق العقلي على المدى الطويل.

التسويف والنظام العصبي

من جانب آخر، تظهر بعض الدراسات النفسية أن التسويف قد يكون مرتبطاً بتفاعلات عصبية معينة في الدماغ. في بعض الأشخاص، قد يكون الدماغ أكثر عرضة للاندفاع والبحث عن مكافآت فورية، مثل الراحة أو الترفيه، بدلاً من مكافآت بعيدة المدى، مثل الشعور بالإنجاز بعد إتمام المهمة. وهذه الميول قد تدفعهم لتأجيل المهام التي تتطلب جهدًا أو وقتًا طويلًا للوصول إلى نتيجتها.

التسويف وإدارة الوقت

في سياق آخر، يمكن اعتبار التسويف نتيجة لضعف مهارات إدارة الوقت. في حال كان الشخص يفتقر إلى القدرة على تنظيم أولوياته بشكل فعال، فإنه يصبح أكثر عرضة للتسويف. فعدم القدرة على تحديد المهام الأكثر أهمية وأولوية قد يؤدي إلى تشتت الانتباه والابتعاد عن المهام الأساسية، وهو ما يدفع الشخص إلى إرجاء القيام بها.

إلى جانب ذلك، قد يرتبط التسويف أيضاً بفقدان الدافع. في حالة عدم وجود أهداف واضحة أو محفزات تحفز الشخص على بدء مهمة معينة، يصبح من السهل جداً التسويف. في هذا السياق، يعتبر التسويف نوعاً من التجنب للمهمة التي تفتقر إلى الحوافز المطلوبة لإنجازها.

الخلاصة

إن السبب الوحيد الذي يدفع معظم الناس إلى التسويف هو الخوف، سواء كان ذلك الخوف من الفشل أو الخوف من عدم الكمال. هذا الخوف ليس فقط سببًا شعورياً، بل هو أيضًا استجابة نفسية معقدة تتداخل فيها عوامل مثل تقدير الذات، التوقعات غير الواقعية، الإرهاق العقلي، وتأثيرات النظام العصبي. يتطلب التغلب على التسويف فهماً عميقاً لهذه العوامل ومعالجتها من خلال تقنيات مثل تعديل التوقعات، تحسين إدارة الوقت، وتطوير مهارات التعامل مع الخوف والضغط النفسي.